اسواق المال والبورصة

آخر الأخبار
مدخل إلى سيكولوجية التداول في البورصات وأسواق المال

 

مدخل إلى سيكولوجية التداول في البورصات وأسواق المال

في عالم الأسواق المالية المتقلب، تلعب العوامل النفسية دوراً محورياً في تحديد نجاح المتداول أو فشله. فبينما يركز الكثيرون على تعلم استراتيجيات التداول وتحليل الرسوم البيانية، يغفلون عن جانب أساسي لا يقل أهمية: سيكولوجية التداول. هذا المقال يقدم مدخلاً شاملاً لفهم تأثير العوامل النفسية على قرارات التداول، وكيف يمكن للمتداول تطوير عقلية متوازنة تساعده على تحقيق النجاح في الأسواق المالية.

ما هي سيكولوجية التداول؟

سيكولوجية التداول هي دراسة تأثير العوامل العاطفية والإدراكية على قرارات المتداولين في الأسواق المالية. تشمل هذه العوامل مجموعة من المشاعر والحالات العقلية التي تؤثر على كيفية تفاعل المتداول مع تقلبات السوق واتخاذه للقرارات الاستثمارية.

يتناول علم سيكولوجية التداول الجوانب العاطفية والإدراكية التي تؤثر على قرارات المتداولين في الأسواق المالية. فهو يساعد في تفسير لماذا يمكن أن تؤدي المشاعر مثل الخوف والجشع والثقة المفرطة إلى قرارات تداول سيئة، ويوفر إطاراً لفهم كيفية تأثير التحيزات النفسية على سلوك السوق.

وفقاً لعالم النفس الأمريكي فان ثارب (Van Tharp)، وهو مدرب مشهور للمتداولين الناجحين: "النوع النفسي للشخص وطريقة تفكيره هي أهم العوامل لتحقيق النجاح في التداول. تعتمد صيغة النجاح في التداول على ثلاثة مكونات: 10٪ لاستراتيجية التداول، 30٪ لإدارة الأموال و 60٪ لنفسية المتداول."

أهمية سيكولوجية التداول

بغض النظر عن مرحلتك في مسيرة التداول، فإن تعلم كيفية اتخاذ قرارات مدروسة في الأسواق لا يقتصر فقط على تحليل المخططات البيانية وفهم ديناميكيات السوق، بل يتطلب تعلم كيفية التحكم في العواطف وإدارتها. فالمتداول الناجح ليس بالضرورة من يملك أفضل الاستراتيجيات، بل من يستطيع التحكم في عواطفه واتخاذ قرارات منطقية حتى في أوقات الضغط.

في التداول، يعد فهم السلوك البشري أمراً ضرورياً لاتخاذ قرارات عقلانية، وتقليل التحيزات العاطفية، وتعزيز النجاح. ومن خلال التعرف على كيفية تأثير العوامل النفسية على المشاركين في السوق، يمكن للمتداولين تجنب المخاطر الشائعة وتحسين استراتيجياتهم الاستثمارية.

العوامل النفسية المؤثرة في التداول

1. الخوف

الخوف هو العدو الرئيسي للمتداول، يمكن أن يجبر الناس على إغلاق تداولات مربحة في وقت مبكر أو التخلص من الأصول الواعدة عندما تنخفض قيمتها مؤقتاً. على سبيل المثال، عندما يتعارض السوق مع توقعات المتداول، يمكنه وضع حد للخسارة أقرب، ليريح نفسه بفكرة أن هذا سيزيد من استقرار التداول، وهذا ليس صحيحاً دائماً.

يمكن أن يكون الخوف عامل يحد من إمكانيات وسلوك المتداول في عمليات التداول. بطبيعة الحال، سيرغب العقل في العثور على الخيار الأكثر أماناً لضمان الاستمرار. فيما يتعلق بالتداول، هذا يعني أنه إذا بدت الصفقة وكأنها ستخسر من الرصيد، فستكون الغريزة الطبيعية هي الانسحاب من هذه الصفقة، لتجنب المزيد من الخسائر.

2. الجشع

يمكن للجشع أن يحجب العقلانية والحكم السليم. إنه يدفع المتداولين إلى سلوكيات محفوفة بالمخاطر مثل السعي وراء عوائد عالية دون بذل الجهد الواجب أو قد يدفعهم للاحتفاظ بصفقات مربحة لفترات طويلة سعياً وراء تحقيق مكاسب أكبر.

إن الطمع من أكثر مشاعر المتداول التي تسبب له فقدان المال، والسيطرة على نفسه وعلى الخطة الموضوعة لصفقاته. وعكس توقعاته في الربح الزائد قد ينعكس الحال ويخسر المال بسبب مجاراته لشعور الطمع. يظن الكثير من المتداولين أنه بعد وصول الصفقة إلى نقطة أصبحت فيها رابحة، فإن هذا يعني أنها ستستمر في الربح أكثراً فأكثر، وهذا ليس بالضرورة صحيحاً.

3. الندم

قد يُجبر الندم، وهو دافع عاطفي قوي آخر، المتداولين على الدخول في الصفقات متأخراً، مما قد يؤدي إلى انتهاك قواعد التداول وتحقيق خسائر مباشرة مع انخفاض الأصول الأساسية من أعلى مستوياتها.

النفور من الندم قد يؤدي أيضاً إلى الاحتفاظ بالاستثمارات الخاسرة لفترة طويلة جداً، مما يمنع المتداولين من تقليل خسائرهم. فالخوف من الاعتراف بالخطأ يمكن أن يكون مكلفاً جداً في عالم التداول.

4. الخوف من فوات الفرصة (FOMO)

يُشكل انتشار الخوف من الفقد (فومو) أيضاً تحدياً كبيراً، حيث يُغري المتداولين بدخول الأسواق بعد الارتفاعات الشكلية ليسبب لهم اضطرابات عاطفية مع التحول المفاجئ للاتجاهات.

قد يتخذ المتداولون قرارات متهورة بناءً على الخوف من تفويت فرص مربحة، مما يؤدي إلى التداول العاطفي وغير المدروس. هذا النوع من السلوك يمكن أن يؤدي إلى خسائر كبيرة، خاصة عندما يدخل المتداول السوق في مرحلة متأخرة من الاتجاه الصعودي.

الأنماط السلوكية للمتداولين

استناداً إلى الأنماط السلوكية، يمكن التمييز بين الملامح النفسية التالية للمتداولين:

1. المتداول المندفع

هؤلاء المتداولون لا يميلون إلى التحلي بالصبر أو التفكير في استراتيجية التداول الخاصة بهم لفترة طويلة. إنهم يفتحون المراكز في لحظة، دون التفكير كثيراً في العواقب. أي تغيير في السوق هو إشارة لهم لأخذ موقف على الفور. هؤلاء المتداولين هم الأكثر تأثراً بالعواطف وغالباً ما يقومون بتداولات متهورة.

2. المتداول الحذر

هذا هو العكس تماماً من النوع السابق. يزن المتداول الحذر كل قرار تداول له من خلال إجراء تحليل كامل وشامل، ودراسة آراء المتداولين والخبراء الماليين الآخرين. وفي حين تردد هذا المتداول، فقد تضيع لحظة الوصول إلى الصفقة الناجحة. الأشخاص الحذرون أفضل حالاً لاعتبارهم مستثمرين أكثر من كونهم متداولين على المدى الطويل.

3. المتداول العملي

نجح هؤلاء المتداولون في الجمع بين صفات النوعين السابقين. إنهم يعرفون جيداً كيفية إدارة المخاطر ولا يترددون عند اتخاذ قرار التداول، وهذه الطريقة هي الأفضل للعمل في البورصة.

التحيزات المعرفية في التداول

تتضمن بعض التحيزات النفسية الأكثر شيوعاً التي تؤثر على المتداولين ما يلي:

1. التحيز التأكيدي

يبحث المتداولون عن المعلومات التي تدعم معتقداتهم الموجودة مسبقاً، متجاهلين البيانات المتناقضة، مما قد يؤدي إلى اتخاذ قرارات سيئة.

2. تحيز النفور من الخسارة

يركز المستثمرون أكثر على تجنب الخسائر بدلاً من تعظيم المكاسب، مما يؤدي إلى سلوك مفرط الحذر، مثل الاحتفاظ بالأصول الخاسرة لفترة طويلة جداً.

3. التحيز المفرط في الثقة

يبالغ بعض المتداولين في تقدير قدرتهم، مما قد يؤدي إلى قرارات محفوفة بالمخاطر وخسائر كبيرة.

استراتيجيات تطوير سيكولوجية تداول صحية

1. تطوير خطة تداول شاملة

من الأهمية بمكان وضع خطة تداول ذات أهداف محددة، واستراتيجيات واضحة لإدارة المخاطر، وقواعد راسخة لتوجيه قراراتك. تساعد الخطة ذات المعالم المحددة في الحفاظ على الانضباط وتقليل السلوك الاندفاعي، مما يضمن لك الثبات في نهج التداول الخاص بك.

2. إدارة المخاطر

إن التعرف على قدرتك على تحمل المخاطر يساعدك على تجنب اتخاذ القرارات العاطفية. يمكن لأدوات إدارة المخاطر مثل أوامر إيقاف الخسارة أن تحميك من الخسائر الكبيرة وتساعدك على البقاء ملتزماً بخطتك.

3. تطوير الذكاء العاطفي

فكر في الصفقات والقرارات السابقة لفهم محفزاتك العاطفية بشكل أفضل وتحسين عملية صنع القرار. كلما زاد وعيك بمشاعرك وكيفية تأثيرها على قراراتك، كلما أصبحت أكثر قدرة على التحكم فيها.

4. ممارسة اليقظة الذهنية والتأمل

تساعد هذه الممارسات المتداولين على البقاء هادئين ومركزين أثناء فترات تقلب السوق، مما يسمح باتخاذ قرارات أكثر وضوحاً وأقل تأثراً بالعواطف.

الخلاصة

سيكولوجية التداول هي جانب أساسي من جوانب النجاح في الأسواق المالية، وربما تكون أكثر أهمية من الاستراتيجيات والتحليلات الفنية. فهم كيفية تأثير العوامل النفسية على قرارات التداول يمكن أن يساعد المتداولين على تجنب الأخطاء الشائعة وتحسين أدائهم بشكل كبير.

تذكر دائماً أن التداول الناجح ليس فقط عن معرفة متى تشتري ومتى تبيع، بل يتعلق أيضاً بكيفية إدارة عواطفك والحفاظ على انضباطك في مواجهة تقلبات السوق. من خلال تطوير سيكولوجية تداول صحية، يمكنك تحسين قراراتك الاستثمارية وزيادة فرص نجاحك في عالم التداول التنافسي.

ليست هناك تعليقات: